
March 25, 2025
دور الابتكار في تعزيز الاستدامة في قطاعي الطاقة والمياه
مارس 24، 2025
أصبح التكيف مع التغير المناخي وتخفيف آثاره ضرورة حتمية لضمان استمرار الحياة على كوكبنا، خاصةً مع تسارع وتيرة هذه التغيرات وتراجع الموارد الطبيعية. وفي مواجهة هذا التحدي، يبرز تبني الحلول المستدامة في قطاعي الطاقة والمياه كأولوية عالمية، حيث يُعد الابتكار حجر الأساس لتحقيق الاستدامة البيئية وتقليل البصمة الكربونية من خلال تقنيات متقدمة تعزز كفاءة الموارد وتحد من الانبعاثات.
وتتبوأ دولة الإمارات العربية المتحدة مكانة ريادية في مجال الابتكار والاستدامة، بفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة لسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله. وقد أطلقت الدولة منذ سنوات استراتيجيات طموحة من بينها "استراتيجية الإمارات للطاقة 2050" لتعزيز الاعتماد على الطاقة النظيفة و"استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050"، و"استراتيجية الأمن المائي 2036" لضمان استدامة الموارد المائية، ما يجعل دولة الإمارات نموذجاً يُحتذى على مستوى العالم.
وفي دبي، وضعنا خارطة طريق واضحة المعالم تستند إلى أحدث تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، لتحسين الكفاءة في قطاعي الطاقة والمياه، انسجاماً مع "استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050" و"استراتيجية الحياد الكربوني 2050 لإمارة دبي" لتوفير 100% من الطاقة النظيفة في دبي بحلول عام 2050. وتُعدّ هيئة كهرباء ومياه دبي نموذجاً عالمياً في تبني الابتكار لتعزيز الاستدامة عبر مشاريعها ومبادراتها الطموحة لتطوير بنية تحتية عالمية المستوى لإنتاج الطاقة النظيفة وتحلية المياه.
يُعد مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية أحد أبرز المشاريع الرائدة عالمياً في قطاع الطاقة المتجددة، حيث يعتبر أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم وفق نموذج المنتِج المستقل للطاقة، باستخدام تقنيتي الألواح الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة. وتبلغ القدرة الإنتاجية لمشاريع المجمع قيد التشغيل حالياً 3,460ميجاوات، ما يمثل نحو 20% من إجمالي مزيج الطاقة في دبي. وستصل هذه القدرة إلى نحو 7,260ميجاوات بحلول عام 2030، ما يقلل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 8 ملايين طن سنوياً، ليسهم بذلك بفاعلية في تحقيق الأهداف الطموحة لدولة الإمارات في مجال الاستدامة.
يبرز المجمع كقصة نجاح عالمية بأرقامٍ قياسية عالمية من "غينيس للأرقام القياسية"، حيث يحمل لقبين استثنائيين يعكسان روح الابتكار، ففي قلب صحراء دبي، يتألق أعلى برج شمسي في العالم بارتفاع يتجاوز 263 متراً، ليسجِّلَ بذلك إنجازاً هندسياً فريداً يُكمّله إنجازٌ آخر يتمثل في أكبر سعة تخزينية للطاقة الحرارية في العالم عبر نظام متطور يُحوِّل أشعة الشمس إلى طاقة قابلة للتخزين لساعاتٍ طويلة، ما يضمن إنتاج الطاقة الكهربائية حتى بعد غروب الشمس ويُعيد تعريف معايير الاعتمادية والكفاءة في قطاع الطاقة النظيفة. هذه الأرقام ليست مجرد إنجازات ترفع راية التفوق، بل جزءٌ من رؤية أشمل تُترجم التزام دولة الإمارات بقيادة التحول العالمي نحو الاستدامة.
وفي إطار التوسع نحو حلول مستقبلية، أطلقنا أول منشأة صناعية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك ضمن مركز البحوث والتطوير بالمجمع. ويعتمد هذا المشروع على تقنية التحليل الكهربائي للمياه باستخدام الطاقة المتجددة، ليكون ركيزةً أساسية في تحول قطاع الطاقة العالمي نحو البدائل النظيفة. ومن المتوقع أن يسهم المشروع في خفض تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر، ما يعزز مكانة الإمارات كمركز عالمي رائد للطاقة المستدامة.
كما ننفذ حالياً مشروعاً رائداً لتوليد الكهرباء باستخدام تقنية الطاقة المائية المخزنة في سد حتا بدبي، بقدرة إنتاجية ستصل إلى 250 ميجاوات. يعكس هذا المشروع، الأول من نوعه في منطقة الخليج العربي، استراتيجيتنا لتنويع مصادر الطاقة وتبني حلول تقنية مستدامة تدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر. وفي إطار الابتكار في قطاعي الطاقة والمياه، أطلقنا القمرين الاصطناعيين النانويين "ديوا سات-1" و"ديوا سات-2" ضمن برنامجنا للفضاء "سبيس-دي"، لتحسين كفاءة شبكات الكهرباء والمياه باستخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد والبيانات الفضائية الدقيقة. وتُعد الهيئة أول مؤسسة خدماتية في العالم تعتمد على الأقمار الاصطناعية النانوية في تحسين عملياتها التشغيلية، ما يبرز التزامنا بتبني أحدث التقنيات لتعزيز الاستدامة.
كما نتصدر الجهود العالمية في مجال تحلية المياه من خلال بناء محطات تحلية باستخدام تقنية التناضح العكسي لمياه البحر، والتي تستهلك طاقة أقل مقارنة بمحطات التقطير متعدد المراحل، ما يجعلها خياراً أكثر استدامة. ونسعى بحلول عام 2030 إلى إنتاج 100% من المياه المحلاة في دبي باستخدام مزيج من الطاقة النظيفة والحرارة المهدورة.
أسهم تركيزنا على الابتكار في تحقيق الهيئة المرتبة الأولى عالمياً في 12 مؤشر أداء رئيسي في مجالات عملنا، وفقاً لدراسة أجراها استشاري عالمي متخصص. ومن أبرز إنجازاتنا تسجيل أقل معدل انقطاع للكهرباء بمعدل 0.94 دقيقة لكل مشترك سنوياً، وأقل فاقد في شبكة توزيع المياه بنسبة 4.5%، وأقل فاقد في شبكات نقل وتوزيع الكهرباء بنسبة 2.0%. كما نجحنا في رفع كفاءة استخدام الوقود في وحدات الإنتاج إلى حوالي 90%، وهي من أعلى النسب على مستوى العالم.
نؤمن أن الابتكار هو المفتاح لتحقيق الاستدامة في قطاعي الطاقة والمياه، ومن خلال رؤية ودعم القيادة الرشيدة، وتطوير استراتيجيات طموحة، وتبني التقنيات الحديثة، نواصل التزامنا بتعزيز أجندة الاستدامة ودعم التحول العالمي نحو ممارسات مستدامة في قطاعي الطاقة والمياه، لترسيخ مكانة دبي كمركز عالمي للاستدامة والاقتصاد الأخضر.

سعيد محمد الطاير
العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي