
March 20, 2025
تمكين شباب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: رؤية استراتيجية للتنمية الإقليمية وصناعة المستقبل
مارس 19، 2025
تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بفرصة ديموغرافية فريدة في عصرنا الحالي، إذ يضم سكانها نحو 140 مليون فردٍ دون سن الثلاثين، يشكلون ربع سكان المنطقة . ويتميز هذا الجيل الشاب بالقدرة على إحداث تحولات جذرية في مختلف المجالات سواء على صعيد إعادة تشكيل الصناعات، وتسريع التحول الاقتصادي والمساهمة بشكلٍ فاعل في دعم الأولويات الوطنية والعالمية.
وتكمن أهم مميزات الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أنهم مواطنون رقميون، ورواد أعمال، وواقعيون ــ لا يكتفون بانتظار التحول، بل يصنعونه من خلال قيادة مسار المنطقة، وتقديم خطط نمو شاملة في عصر الأتمتة والرقمنة، بدءاً من الخدمات اللوجستية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وصولاً إلى ابتكارات التكنولوجيا المالية.
إلا أن هذه الفرصة الديموغرافية لن تأتي بنتائج فعلية من دون جهود جدية، وتتطلب قيادة جريئة وحازمة، وسياسات مبتكرة وبعيدة المدى، والتزاماً جماعياً بتمكين جيل يتطلّع إلى بناء مستقبل أكثر إشراقاً. أما بالنسبة لقادة الأعمال وصنّاع القرار، فإن الرسالة واضحة: إما الاستثمار في الشباب اليوم أو مواجهة خطر الركود في المستقبل.
الشباب قوة دافعة للتحول
تكشف الأرقام عن مشكلة ملحّة يجب العمل على مواجهتها فوراً: في عام 2023، شكّل الشباب دون سن الثلاثين نحو 63% من سكان المملكة العربية السعودية ، فيما تتراوح أعمار نحو نصف سكان دولة الإمارات بين 15 و35 عاماً ، أما في مصر، فيمثل الشباب نحو 60% من إجمالي السكان. وهذا الجيل هو الأكثر تعليماً وارتبطاً مع العالم، والأكثر ريادة في الأعمال مقارنة بالأجيال السابقة. ومع ذلك، فإن النظم التقليدية في المنطقة والعالم قد تحول دون استفادة البلدان من هذه الفرصة.
وعليه، فنحن اليوم أمام ثلاث حقائق رئيسية تحدد ملامح هذه المرحلة.
أولاً، تشكّل التكنولوجيا قوة ممكّنة لإزالة الحواجز التقليدية وبالتالي ضمان تكافؤ الفرص مما يتيح للشباب الوصول إلى فرص استثنائية. فالذكاء الاصطناعي والبلوكتشين والتكنولوجيا المالية لا تعيد تشكيل الصناعات القائمة فحسب، بل تفتح آفاقاً جديدة بالفعل. على سبيل المثال، تسهم بيئات الاختبار التنظيمية للذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات في تعزيز منظومة اقتصادية داعمة للأعمال، مما يمكّن الشركات الناشئة التي يقودها الشباب من ابتكار حلول للتحديات القائمة في مجالات عدة مثل الزراعة المستدامة. أما في المملكة العربية السعودية، فيبرز قطاع الرياضات الإلكترونية والألعاب – الذي يتوقع أن يسهم في النمو الاقتصادي بنحو 13.3 مليار دولار بحلول العام 2030 – كمثال واضح على دور المبدعين الشباب في ترسيخ دعائم اقتصادية مبتكرة.
ثالثاً، يتمتع هذا الجيل برؤية ثنائية مميزة—فإلى جانب ارتباطه العميق بمجتمعاته المحلية، يحمل رؤية عالمية متقدمة. تشير الإحصاءات إلى أن 34% من شباب المنطقة على إلمام بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، مقارنة بـ 23% على مستوى العالم، مما يمنحهم مستوى أعلى من الوعي والإحساس العميق تجاه القضايا الملحّة، مثل التغير المناخي وإصلاح التعليم والعدالة الاجتماعية. وتشكّل المشاريع المبتكرة مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لحفظ المياه في الأردن، وحلول التكنولوجيا المالية التي تمكّن سكان مصر من الوصول للمرة الأولى إلى الخدمات المصرفية، دليلاً واضحاً على دور الشباب في تحويل التحديات المحلية إلى حلول قابلة للتوسع على نطاق عالمي.
الاستثمار في الجيل الشاب
هذا ويكمن توسيع نطاق هذه الإمكانات المذكورة، من خلال اعتماد تحوّلات منهجية وجذرية. بداية، يجب أن تعمل الحكومات والشركات والمؤسسات التعليمية معاً من أجل إيجاد نظم تمكّن الشباب وتحوّل التحديات إلى فرص. وهذا يتطلب استثمارات هادفة في مجالات التعليم وريادة الأعمال والتقدّم التكنولوجي.
وتعد ريادة الأعمال ركيزة أساسية في منطقة لا تزال نسبة البطالة فيها مرتفعة في صفوف الشباب، حيث سجلت 24.4% على امتداد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفقاً لإحصاءات صادرة في عام 2023. وتظهّر الشركات الناشئة مثل "تابي" الإماراتية و"تمارا" السعودية و"سويفل" المصرية، وهي من بين خمس شركات ناشئة على مستوى المنطقة، كيف يمكن أن يؤدي الحصول على الإرشاد والتوجيه والمرونة التنظيمية ورأس المال الاستثماري، إلى إيجاد حلول قابلة للتطوير. وعليه، يتعين على الحكومات التقليل من الإجراءات البيروقراطية وتحفيز التعاون مع القطاع الخاص لتطوير بيئات حاضنة تزدهر فيها المشاريع التي يقودها الشباب، بدءاً من منصات الأمن الغذائي التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وصولاً إلى التكنولوجيا المالية التي تسهم في إحداث تحول في نظام التمويل التقليدي.
وفي الوقت نفسه، توفّر ثورة الذكاء الاصطناعي فرصاً ضخمة للشباب للتعامل مع قضايا رئيسية ومعالجتها، مثل ندرة المياه والأمن الغذائي والتحول نحو الطاقة النظيفة. وخلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام، سلطت النقاشات بشأن دور الذكاء الاصطناعي في الزراعة الضوء على سبل دعم الشركات، بما في ذلك بيبسيكو، للمزارعين في تطوير تكنولوجيا جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز غلة المحاصيل وتحسين استخدام الموارد وتعزيز الأمن الغذائي العالمي. ومع ذلك، ومن دون حوكمة مدروسة، فإن الذكاء الاصطناعي قد يزيد من اتساع الفجوات الاقتصادية. يجب على الحكومات والشركات التعاون لضمان الوصول العادل إلى الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مع توفير فرص تدريب وإعادة تأهيل المهارات للعمال الذين تأثرت وظائفهم بالأتمتة.
وبينما يجب على الحكومات أن تستثمر في البنية التحتية الرقمية، يتعيّن على السياسات المعتمدة توظيف الشباب في القطاع الخاص، وأن تدعم المشاريع التي يقودها الشباب. كذلك يجب على المؤسسات التعليمية أن تتطور وتتحوّل إلى جهات شريكة تتمتّع بالمرونة وتقدّم شهادات إتمام الدورات السريعة والتعلم المدمج إضافة إلى صقل المهارات لمدى الحياة، من أجل ضمان قدرة الخرّيجين على المنافسة في سوق عمل سريع التطور بشكل متواصل.
رهانات مستقبلية مُلحّة
إنّ الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليسوا مجرد مستفيدين، بل هم مهندسو التحوّل الاقتصادي وفق إطار هيكلي. وقد بدأت قيادتهم بالفعل في إعادة تشكيل القطاعات بدءاً من التكنولوجيا الزراعية وصولاً إلى الطاقة المتجددة، الأمر الذي يثبت أنّ مستقبل المنطقة لن يتمّ بناؤه وفقًا للصناعات التقليديّة والقديمة، بل سيُبنى على أسس الابتكار والاستدامة والتحوّل الرقمي.
وبالنسبة للشركات، لا يُعتبر الاستثمار في الشباب مجرد خطوة مؤقتة أو عابرة، بل هو رؤية استراتيجية استشرافية. فالشركات التي تتبنى هذا التحوّل، وتدعم المبتكرين الشباب، وتواكب الصناعات الناشئة، هي الشركات التي ستوجه وتقود المستقبل الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أما على صعيد صنّاع القرار، فيعدّ الخيار صارماً، حيث ستحدّد التحولات الجريئة في مجالات التعليم والبنية التحتية الرقمية والمرونة التنظيمية، ما إذا كان هذا الجيل سيصبح أعظم أصول المنطقة أم انّه سيتحوّل إلى فرصة ضائعة لا يمكن تعويضها.